Saturday, January 23, 2021

د. محمد سمير عبد السلام - الصورة كمصدر للإنتاجية الإبداعية - قراءة لمجموعة مضارب الأهواء لإدوار الخراط

 الصورة كمصدر للإنتاجية الإبداعية - قراءة لمجموعة مضارب الأهواء لإدوار الخراط 

                                                        د. محمد سمير عبد السلام - مصر

 

للصورة إيقاع وجودي مؤثر في واقع النص عند إدوار الخراط؛ إذ إنها تقع في قلب الحدث الواقعي أو التاريخي، وتنحرف به عن أصله . إن وجود الشخصيات، والأماكن، والراوي نفسه – في مضارب الأهواء ، وقد صدرت عن دار البستاني للنشر بالقاهرة سنة – لا ينفصل عن طرائق تكوين الصور، واختفائها الشبحي المفاجئ، والمراوغ؛ ومن ثم المؤثر في التاريخ كجزء من بناء السرد وتحولاته؛ فهل كانت تجليات الواقع – في النص - أحد انحرافات ثقافة الصور التي كانت تقع على هامشه على طول تاريخ القص؟

إن كتابة الخراط تستبق السرد بالكشف عن طرائق تكوينه في الشعر، والتأويل، وامتلاك القدرة على النحت، والعزف الموسيقي ضمن إيحاءات المادة التصويرية؛ فالانحراف – في بنية السرد عند الخراط – يشير إلى التأثير في مادة الوقائع الصغيرة، وتأويلها جماليا في سياق تتابعها مع الصور، والأطياف المولدة عن أخيلة النص؛ وبهذا الصدد يشير ريجيس دوبري – في كتابه حياة الصورة وموتها – إلى أن الحياة الإبداعية الحقيقية تكون في الصورة التخيلية، لا في الجسم الواقعي؛ فالأقنعة الجنائزية في روما، أو التماثيل القوطية لها وضعية أجسام مبعوثة، أو تستنشق نفس الأشخاص الهالكين؛ أما الموت فهو حضور اللامرئي بفرضه الصمت على الرائي. (راجع، ريجيس دوبري، حياة الصورة وموتها، ترجمة: فريد الزاهي، دار أفريقيا الشرق بالمغرب ص 20 و 21) وسنلاحظ أن الصورة لا تقع خارج مخيلة الرائي عند دوبري.

هكذا يحفز نص الخراط كلا من الوقائع، ووعي المتلقي؛ لإثراء الهوية، وتكوين نشاط وجودي تصويري لا ينفصل عن النص.

تحيا صور الحضارة المصرية القديمة كعلامات تاريخية تقاوم الماضي، وتهبه حياة نصية جديدة في آن في قصة تراكيب على الهامش؛ وكأن صيرورة السرد الممتدة في واقعنا – بوصفه مادة حية للقصة – تنبع من انحراف التكوين الحجري / المكاني عن إطاره؛ ليعيد تمثيل الوجود في فضاء إبداعي متحول. صورة الصقر القديمة تستقطب أخيلة النجوم كأنها تنشد حضورها أو انعكاسها الآخر في الحجر؛ وقد يتجلى الهرم في صورة تجريبية تجمع بين التاريخ، وقراءاته التأويلية التصويرية في فعل الكتابة، وفي وعي الراوي الذي لا يبدو مركزيا ، ولا يهيمن على جماليات التكوين؛ فقد يأتي كأثر جمالي لتأويلاته التي أعيد تشكيلها بواسطة وجود نصي بكر للصورة؛ إنه يعاين درجات تجسده الروحي في التكوين الذي يقاوم الموت، ويجسده في آن.

إن المومياء التي تعود – في مانشيتات الصحف – تمثل تعاقبا فريدا بين الأثر، وبنية الواقع؛ فبروز الأعمدة القديمة قد اختلط بفجوات الأحمر، والأبيض في الجريدة؛ وكأن علامة الجريدة تستحضر بكارة الحدث القديم، أو وهج السيرة الأولى للملك بيبي الأول؛ فالمومياء هي الصورة النشطة الأخرى لوجود الملك في وعي الراوي الذي تحول إلى جماليات التشكيل، وأثره في المخيلة.

ويبدو الانتقال واضحا من الخطاب السردي إلى الأداء الإبداعي ما بعد الحداثي في قصة حتة حلاوة طحينية؛ فالبطل يعيد اكتشاف جسده من خلال تأثير الصورة الافتراضية على إدراكه؛ فرغبته في الجنس الآخر تكمن في صور أغلفة المجلات؛ ومن ثم تصير الصورة موضوعا للهو، وويمتد ذلك الإحساس المفرط بالصورة إلى تمثيلات أخرى لعلامات الروائح، وبعض الأطعمة؛ وكأن الرغبة تنقل نفسها في مرايا، وانعكاسات قد تطورت – في المتوالية السردية – إلى امتزاج الرغبة، بطعم الحلاوة، وصراعه مع البقال الذي بدا غريزيا، وذكره بصور لمقاومة الدراويش، وتهديد جوردون باشا؛ وكأنها مازالت تطل من الدم النازف في بنية الحضور.

وقد تنفصل الشجرة عن سياقها الثقافي – في موسم شم النسيم – وتمتد كظاهرة تشكيلية، تخطلط بوعي الرائي، وتتداخل – في مستوى الفضاء – بصورة معبد الرمسيوم؛ فهل كانت مثل أثر جمالي، يتصل بالماضي مثل متحف مالرو الخيالي؟ أم أنها تمثيل ظاهراتي للأمومة في الوعي المبدع؟

أما الشجرات الأخرى الكثيفة حولها فقد بدت ممثلة لوجود تصويري آخر بديل، أو كتشكيل علاماتي لنوع آخر من الخصوبة، تقاوم النموذج التقليدي للخصوبة في اللاوعي الجمعي؛ فقد امتزجت بصورة الفتاة التي نبعت من رغبات الهو اللاواعية طبقا لفرويد، بينما اختلطت الشجرة أيضا بصورة الكلب على النقوش القديمة؛ وكأنها استدعت لعب الطواطم والصور في المشهد القصصي الذي يسعى للأصالة الحضارية، وإغواء الصورة في آن.

ويومئ السارد – في قصة النحات والصحفية – إلى الشقاق بين ليلى وتمثالها الذي ينطوي على نموذج الأنوثة القديم في وعيه، ولاوعيه؛ وكأن التمثال يشير إلى نقطة بدء أخرى لوجود ليلى، وتشبيهاته، أو علاماته التشكيلية التي تنبع من التباس الحضور بتشبيهاته، وبتشكيلات الماضي الحضاري كما هو في  اتصال الصورة بالحياة الإبداعية ، وعبورها للأزمنة والفضاءات في كتابة الخراط السردية جميعها.

                                                        د. محمد سمير عبد السلام – مصر

                                                               ناقد أدبي وفني

*نشر المقال بصورته الأولى بجريدة أخبار الأدب عقب صدور المجموعة  سنة 2003




1 comment:

  1. Las Vegas - Casinos, Bars, Games, Events and Entertainment
    Try a world-class selection of top-of-the-line restaurants, bars, entertainment, and entertainment 군산 출장샵 located 김포 출장안마 on the 부천 출장안마 Las Vegas Strip.‎Entertainment · 군산 출장마사지 ‎Restaurants · 부산광역 출장마사지 ‎Shows

    ReplyDelete

إنتاجية الذات، والآخر .. قراءة لديوان "رجل، وامرأته، كوكب" لعلي الدمشاوي، ونسيمة بوصلاح .. د. محمد سمير عبد السلام

  إنتاجية الذات، والآخر .. قراءة لديوان "رجل، وامرأته، كوكب" لعلي الدمشاوي، ونسيمة بوصلاح                                       ...