Saturday, September 11, 2021

إنتاجية الذات، والآخر .. قراءة لديوان "رجل، وامرأته، كوكب" لعلي الدمشاوي، ونسيمة بوصلاح .. د. محمد سمير عبد السلام

 إنتاجية الذات، والآخر .. قراءة لديوان "رجل، وامرأته، كوكب" لعلي الدمشاوي، ونسيمة بوصلاح

                                                             د. محمد سمير عبد السلام – مصر

"رجل، وامرأته، وكوكب" مجموعة شعرية للشاعر المبدع علي الدمشاوي، وزوجته الشاعرة نسيمة بوصلاح، صدر عن دار النسيم بالقاهرة 2013؛ ويمثل الديوان تجربة حوارية أدبية بين صوتي الأنا، والآخر، وتحولات العوالم الكونية في علاقات التداخل، والاختلاف بين خطاب الذات، وخطاب الآخر.

إننا أمام تجربة تحتفي بأصالة التعدد، والاختلاف، والتجاوز ما بعد الحداثي للمركز، والرؤية، والكينونة، كما تتداخل الأنواع؛ إذ نعاين السرد داخل الخطاب الشعري الذاتي، بينما تبدو الكتابة تأويلا مجازيا للعالم في خطاب الأنثى.

وتتباين العوالم الفنية، واليومية، والكونية، والداخلية في خطابي الشاعر، والشاعرة؛ وهي عوالم توليدية، تحتفي بالتفكيك، والتداخل، والخصوصية السيميائية الممزوجة باستبدالات الكتابة لبنى الأصوات، والأشياء في النص.

وتشير عتبة العنوان / رجل، وامرأته، وكوكب إلى سيادة نسق التعاطف الكوني، والاتصال الأدبي بين الذات، والآخر، والعوالم الجزئية الفنية المحتملة، بينما تؤكد الاتصالية الجمالية نفسها خصوصية الآخر، وانفلاته من أي تأويل مسبق؛ فالآخر ينتج الصوت المتكلم، ويفككه، ويعلن عن خصوصيته المجازية المعلقة، أو المؤجلة في تلك العوالم اللامركزية المحتملة، والتي تؤكد حضور الصوت ضمن تحولات الآخر، والأشياء الصغيرة، والعوالم المتخيلة دائما.

ويمكننا رصد ثلاث تيمات فنية في الديوان؛ هي الحوارية الشعرية، وتداخل العوالم الداخلية، والكونية، والتأويل الاستعاري للواقع، وبلاغة الأشياء الصغيرة، وتخييل الذات.

أولا: الحوارية الشعرية، وتداخل العوالم الداخلية، والكونية:

ترتبط الأنثى – في خطاب الشاعر – بصيرورة الكتابة، والصفاء الكوني، وبدايات تشكل العالم في بكارة التطور العلاماتي للنص من جهة، والاحتفاء بالصمت البهيج الصاخب للعوالم الكونية من جهة أخرى؛ فاللون الأبيض داخلي، ونصي، ويمتزج بصخب الكتابة، والصمت الكوني الداخلي في الوعي المبدع للشاعر، وأخيلته.

يقول: "كان هبوطي نصف يقظان حين لمعت شمسك في رأسي / فآبت روحي إليك / عكس اتجاه هبوطي / ذاهبا آيبا صرت / ... حين ترنو قصائدي إليك، ينحاز الحبر إلى اللون الأبيض / فأرسم الصفاء التام، وأسمع صوت الصمت، ولا أنحاز لشيء/ قصيدتي عنك هي السكون الكبير الذي يعقب أو يسبق الكون".

تعيد الذات إنتاج الأنثى / الآخر في سياق الهوية الجمالية التي تقترن بالكتابة، وتناقضاتها الإبداعية، بينما تعاين الذات هوية أخرى قيد التشكل تعقب البياض، والصفاء الكوني الذي يرتبط بتخييل الأنثى، وتخييل الذات معا.

ويبدو اللون الأبيض كامتداد تشكيلي سردي ضمن الخطاب الشعري / الذاتي؛ إذ يشير إلى النفس الدائرية وفق تعبير يونج، أو إلى فجوة مجازية باتجاه اللانهائي بالداخل، وفي الصيرورة الكونية.

وقد يستعير الشاعر – في خطابه – تقنيات السرد الشعري، وأصالة التشبيهات؛ فتنقل الذات نفسها في فضاء مجازي للآخر / الأنثى، أو تبدو ككوكب يقع بين الداخل، والخارج، وتمثيلات الفن، وتحولاته التي تؤكد التعاطف الكوني.

يقول: "مر برأسي هذه الصبيحة أني أحاصرك كسياج الياسمين / حول بيت جدي ، وأني تحتك كالكوكب ... / قولي أنت إذن، كيف انصهرت أخيرا، وتسربت من تحت باب عزلتك، ثم تبخرت بخورا كي يمررني حراسك الأثيريون إلى رئتيك".

تبدو الذات في سياق تشبيهي سردي كطيف جمالي كوني يعبر من المجال الكوني الكبير، إلى المجال الطيفي الفني الأسطوري، ثم إلى كون الأنثى الفني التخيلي الصغير؛ وكأن تعددية العوالم تفكك الحضور المركزي للذات، وكذلك شمولية أي عالم محتمل من العوالم؛ فالذات مجال لتقاطعات علاماتية، ولتداخلات بين العوالم والأصوات المتباينة.

ويعيد المتكلم تشكيل نفسه في مجموعة من المتواليات، والتمثيلات المتنوعة للراوي، ثم تخييل المروي عليه في شخصية محددة هي شخصية الشاعرة نسيمة؛ وتتسع عوالم اللاوعي في الاتحاد بين الصوت، والفضاء الفسيح، وفي التحول المبني على نموذج العشق في النص؛ فلا يمكن فصل الخطاب الشعري عن تحولات الشخصيات في المتواليات القصصية المحتملة، والتي تحتفي بالتشبيه، وبولوج الأكوان الفنية عبر بوابة حلم اليقظة التي تقع بين الداخل، والخارج، وتفكك الانفصال بين الداخل، والخارج معا؛ فالذات فضاء جمالي؛ والمجال الكوني يعبر اليومي، والذاتي عبر حاجز وهمي متجاوز للمركزية.

ويعيد باشلار قراءة الوجود انطلاقا من تعددية الانفتاح، والانغلاق إزاء الفضاء في كتابه "جماليات المكان"؛ إذ يرى أن الإنسان وجود نصف مفتوح، ويقع في منطقة يرغب فيها الوجود أن يكون مرئيا، ومخفيا في الوقت ذاته، وتصير حركات الانفتاح، والانغلاق كثيرة، ومعكوسة، ومشحونة بالتردد.

(راجع، غاستون باشلار، جماليات المكان، ت: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات، والنشر ببيروت، سنة 2000، ص 199).

وتذكرنا علامة الأنثى المجازية – في ديوان علي الدمشاوي – بتجاوز الفضاء لدى باشلار لمركزية الانفتاح، والانغلاق؛ فالباب يبدو كمعبر لصورة الآخر الأسطورية في الديوان؛ فالحراس أثيريون، والذات تعاين تحولها في فضاء الجسد الاستعاري الطيفي الآخر؛ فالأنثى معبر لانفتاح الوجود في اللاوعي.

وتتداخل حالات الانفصال، والتعاطف في خطاب الشاعر، ويصير تطور الباب السيميائي في النص دالا على الجحيم العبثي المؤقت، والانفتاح باتجاه خصوبة مضاعفة في المشهد؛ يقول: "باب جحيم كان بيننا ليلة أمس يا بنت / دش / مطر / يهدل تحت سقف / مطر يجرف الأوزار عن أكتافنا كرمل / ويلمع القلب كبلورة / مظر يملؤنا بالحنان كآنية، ويفيض".

هل ولدت علامة الدش من العالم الفني الجمالي المصاحب للباب الطيفي في المشهد؟

إن الباب هو انفصال فيزيقي مصاحب للصوتين، يحتمل الاتحاد المضاد المضاعف في ضمير "نحن"؛ بينما يدل الماء على استعادة الخصوبة القديمة، وعلى التجدد في بنية الحضور الشعري في الكتابة التي تفكك الواقع، والذات التاريخية.

ثانيا: التأويل الاستعاري للواقع:

تكثر إشارات التأويل الاستعاري للواقع اليومي، وللمفاهيم المجردة عن الوجود، والحب، والحياة في خطاب الشاعرة نسيمة بو صلاح في الديوان، كما تكثر المحاكاة الساخرة ما بعد الحداثية إزاء عوالم الفن، والأشياء الصغيرة، والذات في نصوصها الشعرية؛ مثلما تجاوز خطاب الشاعر علي الدمشاوي مركزية المستوى الواحد من مستويات الوجود المتداخلة والمعقدة.

تقول الشاعرة نسيمة بوصلاح:

"الحياة ذئبة / ولا تأنس للأطواق / حتى لو كانت حمراء وتلمع".

تبدو الحياة – في خطاب الشاعرة – منفلتة، صاخبة، ومتجاوزة للحدود، والمفاهيم التقليدية للجمال، وتؤكد صيرورة الدوال، والارتكاز على العنصر الإبداعي في بنيتها المتحولة في النص؛ فالحياة أكثر صخبا، ووهجا من الطوق الأحمر المحتمل، وهي تعيد تشكيل البهجة، والصخب في سياق لامركزي للعلامة.

وقد يؤول الشاعر علي الدمشاوي الحب، وحالة الاتصال بالآخر انطلاقا من تناقضات الجسد، وتمثيلاته الجمالية المتخيلة، والمتجاوزة لحضوره المركزي الأول؛ فهو يشبه الصورة الفنية التي تجمع بين الأنا، والآخر معا؛ يقول: "ها هو شوقي يجلس أمامي / صامتا مثلي / يدخن كثيرا مثلي / يتحرك كأنما يقلدني في مرآة".

يجمع الظل التمثيلي الكامن في فراغ المرآة – في النص – بين المتكلم، وشوقه، واستبدالاته الفنية، وصورة الآنثى المحتملة في المشهد؛ وكأنها تفكك وحدة الظل، وكينونته.

ثالثا: بلاغة الأشياء الصغيرة، وتخييل الذات:

يشير خطاب الشاعرة نسيمة بوصلاح إلى اللعب الجمالي، وتخييل الذات، والأشياء والصور الحلمية المتعلقة بصورة الشاعر الفرنسي السوريالي رينيه شار؛ وهو ما يؤكد تعددية العلامات، وتداخلها الإبداعي المحتمل في سياق السخرية ما بعد الحداثية من اكتمال الكينونة، والظواهر؛ تقول: "رونيه شار ماذا تفعل فردة حذائك وقبعتك في قصيدتي أيها العجوز؟ ... يقرفص الهنود في الشارع الذي تجلده الشمس / ويقرفص الشارع في رأسي/ ويقرفص رأسي في القصيدة/ وتتمدد القصيدة وهي تخرج لسانها لحذائك الستيني ..".

إن آثار رينيه شار، ومتعلقاته الصغيرة تحيا حياة حلمية في صخب الصور التوليدية الجمالية المؤولة للذات الشاعرة من خلال وهج الأخيلة، والسخرية من بنيتها، وإعادة تشكيلها في تداعيت الكتابة.

                                                              د. محمد سمير عبد السلام - مصر



Friday, May 7, 2021

تشكيل الكينونة، والمحاكاة الساخرة لبنية السارد العليم في رواية الواحدة بتوقيت العاصفة لمحمد صفوت

 

تشكيل الكينونة، والمحاكاة الساخرة لبنية السارد العليم في رواية الواحدة بتوقيت العاصفة لمحمد صفوت

                                                  د. محمد سمير عبد السلام - مصر

 

يضعنا سارد محمد صفوت داخل عالمه الإدراكي مباشرة  – في روايته الواحدة بتوقيت العاصفة، صدرت عن دار غراب بالقاهرة، 2019 – عبر تبئير داخلي وفق تعبير جينيت؛ ويرتكز هذا التبئير على شخصيته، ويعمق أزمته الوجودية من خلال مواجهته المباغتة مع فراغ عبثي يذكرنا بعوالم صمويل بيكيت؛ فالسارد يواجه فراغا مؤقتا، أو دائريا، يستدعي إعادة تشكيل الكينونة، وعلامات العالم، ولو بصورة مجازية؛ وهو يبدأ وصف أزمته الوجودية ببنية احتجاب الحدث الذي ولد هذا الفراغ المؤقت، كما يوغل في حالة أدائية، تبدو تمهيدا لفعل الحكي التعويضي عن هذا الفراغ.

إنه لا يعرف إن كان العالم سيعود غدا، أم لا، ويعتقد أنه هو الناجي الوحيد، ويوغل في الركض، وطرح الأسئلة. (1)

لقد تباين إيقاع السرد بين بطء التفكير فيما حدث، ودرجة الحدوث، أو الحدوث المحتمل، أو اللاحدوث، وسرعة إيقاع حالة الركض التي تبدو عتبة للحكي الصاخب القادم بوصفه تشكيل للذات؛ ومن ثم يحيلنا السارد إلى موقع آخر؛ سيكون الموقع التمثيلي للسارد العليم، وليس هو السارد العليم ضمن وظائفه القديمة التي لا تحكي الحدث من منظور نسبي؛ وإنما سنلاحظ أنه موقع نسبي مغاير يعيد تمثيل دور السارد العليم في سياق تشكيل الشخصيات، ثم الحوار معها، أو مراقبة انفلاتها الكامل عن هيمنته حين تتحدث بأصواتها الخاصة، أو حين يحرضها على الفعل، دون هيمنة، أو حين تعلن مقاومتها لحضوره المركزي المؤجل.

وقد يستعمل السارد منظارا، ويكرر تلك الإحالة – في خطابه – إلى المنظار، أو إلى اللقطة، بينما يبغي أن ينسج رواية بصوت الراوي العليم؛ وقد تواترت الإحالة إلى اللقطة – ضمن وظائف السارد – في الواقعية الفرنسية الجديدة لدى سيمون، وبوتور، وغرييه؛ وأطلق عليها بارت المنظور غير الشخصي؛ أي الذي يجسد الشيء من الخارج بلغة الكاميرا؛ ومن ثم فبنية السارد العليم المتخيلة تنفك ابتداء في فعل مراقبة الصور؛ وربما يريد السارد أن يحيلنا – عبر استخدام المنظار – إلى تلك الصور، والانطباعات الأولية التي ستحفز خياله؛ لينسج الرواية وفق تمثيلات الراوي العليم؛ ولكننا سنكتشف – بصورة تدريجية – أننا داخل لعبة تقوم على المحاكاة الساخرة ما بعد الحداثية لبنية الراوي العليم المستدعاة من الماضي؛ فهو يحاكي بكارة تشكيل الراوي لعالمه المتخيل بينما يحيلنا إلى الاحتجاب المضاعف الكامن فيما وراء علامة المنظار.

يخبرنا السارد أنه قام بنصب مناظير كثيرة في غرفة على ربوة عالية؛ لينظر إلى الغرف، والنوافذ؛ ويتوقع حدوث العلاقات الغرامية، والمآسي، والآلام وراءها. (2)

إن المناظير توحي ببنية العمى المجازي الذي يشبه الفراغ العبثي الأول الذي واجه السارد، بينما تشير إلى البصيرة الخيالية الذاتية في توقع وجود عالم تقليدي مملوء بالغرائز، والانفعالات، والأفكار، والأيديولوجيات، والصراعات خلف النوافذ التي توحي باحتجاب آخر، وكشف مؤجل للشخصيات التي يمكنها مقاومة النماذج عبر تناقضاتها الذاتية المحتملة، ومصائرها الفريدة الغامضة.

ويستمر السارد في تشكيل كينونته عبر مجموعة متشابكة من الشخصيات، وشبكة واسعة من أنساقها الخطابية المتضادة، والمتنوعة؛ نذكر منها خطاب المهرج الذي يتناقض بين البهجة، والنحيب، وإرضاء الجمهور، ومقاومته؛ ونجد الراوي يصفه بالحكمة، والسخف معا؛ ثم سلطان / النقيض، أو البودي جارد المتفوق بدنيا، والذي يقع في حب فاتن بسهولة، ويصير لينا، والعجوز ضعيف الذاكرة الذي يراقب سيدة حبل الغسيل، ويشكل – من خلالها – عالما افتراضيا آخر؛ وشادي وحواراته العلمية – العاطفية مع سلمى التي كانت ثابته الوحيد، وتشبه الفراشة المتعلقة بالتمرد، أو العودة للوطن، ثم بزوغ نقيضه / حازم العاشق؛ ود. شاكر الأيديولوجي المتوائم، وشخصية نزار المهاجر الذي يبحث عن الهوية، والفتاة المراهقة التي تتجلى كصورة نماذجية لبكارة الأنوثة في النص، والدرويش الصوفي صاحب اللغة الغامضة؛ وسنلاحظ أن هذه الشبكة الكبيرة من الشخصيات تنطوي على خطابات تذكرني بالجماليات التكعيبية في الحداثة، ووفرة الأشكال النسبية لوجهات النظر المتعارضة في بنية هذا المجتمع الجديد، أو العالم الخيالي الشبحي في وعي، ولاوعي فرد يحاول تشكيل كينونته في الفراغ العبثي، بينما يحاكي الراوي العليم بصورة ساخرة؛ وإلا فلماذا يقر باحتجاب المصائر، والحقائق في النهاية؟، ولماذا يحض شخصية شادي على الانتحار؟، ولماذا يعترف بإغواء فعل السرد، وينسب للسرد، لا لنفسه تطوير الحكاية؟

وسنلاحظ إغواء السرد للسارد العليم التمثيلي المؤجل في هذا المقطع من خطابه؛ يقول السارد:

"لولا شخوصي لأكلتني الوحدة في هذا العالم الذي صنعته حولي؛ من وجودهم أستمد وجودي ... أتجلى في الدرويش، وعباراته الغامضة، في حزن المهرج الدفين...، في قوة سلطان الغاشمة". (3)

وإذا قمنا بتحليل الخطاب السابق، سوف نلاحظ أن السارد العليم التمثيلي يحيلنا – بدرجة رئيسية – إلى ما وراء وظيفته كراو؛ فهو لا يهدف إلى أن يتخذ الموقع القديم للراوي العليم، ولكنه يؤسس لفعل تشكيل الكينونة الوجودية عن طريق إغواء فعل السرد، أو إغواء الأداء التمثيلي الذي ينطوي على الاتحاد الروحي بالشخصية؛ لهذا تعددت أسماء الشخصيات – في الخطاب – طبقا لتعددية ضمير المتكلم، بينما جاءت صفة الغاشمة مرة واحدة؛ وهي تعكس إحدى وظائف الراوي العليم في رؤية الشخصيات من الخلف بمنظور أشمل؛ ومن ثم يعزز الخطاب من حالة الذوبان في فعل السرد، أو في حالة إغواء الأداء التمثيلي للآخر الذي يذكرنا بفعل الركض في بداية النص.

ويمكننا قراءة بنية الغيرة – في النص – من داخل مربع غريماس السيميائي الدلالي؛ فهي تنطوي على احتجاب، واحتمالية، وتحقق في آن.

يرى غريماس وفونتانيه – في كتابهما سيميائيات الأهواء – أن الغيور – في نصوص الأدب – يتحول – في سيميائيات السرد – إلى ذات معرفية؛ أي يستنطق باستمرار أشياء، يرى أنه يجب الإخبار عنها، ثم يبني تصوره الخاص الذي يقوم عليه التحريك؛ وقد لا يكون الموضوع موجود فعليا – بصورة مباشرة – وإنما تحيلنا الذات إلى عمليات؛ مثل تمثل التصورات، والتحكم فيها، واستمرارية التحريك. (4).

هكذا يؤسس كل من غريماس، وفونتانيه – في سيميائيات الأهواء – إلى بنية المراقبة واكتمالها الداخلي المحرك للغيرة سرديا؛ بغض النظر عن اكتمالها في الواقع نفسه؛ وسنجد أن سارد محمد صفوت؛ سيقوم بمراقبة الذات المراقبة / ذات شادي تمثيليا، حتى تصل إلى الاكتمال، وتنفيذ انتقامه، ولكنه سيظل أيضا تنفيذا مؤجلا؛ لأنه يقع بين شخصيات بنيوية ورقية؛ ولإقرار الراوي أن رؤية شادي كانت غائمة؛ ومن ثم تتعدد بنى الغيرة، والغيرة الشكلية في السرد؛ وإذا طبقنا مربع غريماس السيميائي على المشهد؛ سوف نلاحظ التعارض البنائي / الدلالي بين الغيرة الأصلية، والغيرة الشكلية التمثيلية بين شخصيات ورقية، يقوم فيها السارد بدور المراقب بالإنابة؛ وسنجد أن بنية الغيرة الأصلية، تستلزم – في محور الاختلاف – احتجاب الحدث، أو تأجيله حين تنهض الأطياف، وتقاوم التجسد الفيزيقي للحدث؛ وسيقابل الغيرة الشكلية – في محور الاختلاف – ارتقاء حدث القتل في بنية السرد لمستوى الواقع المرئي للسارد حين يصاحب شخصياته في واقعهم، أو حين يتخد حالة مراقب واقعي محتملة.

ويمكننا أخيرا تطبيق مربع غريماس السيميائي / الدلالي على بنية الراوي العليم نفسه في النص؛ وذلك عبر التعارض البنائي بين تجليه كمنشئ للشخصيات عبر مخطوطاته، وكتابة الشخصيات لمصائرها بنفسها، حين تقاومه، أو حين تختار فعلا دون آخر في النهاية؛ وسوف نجد أن بنية الراوي العليم القديمة، تستدعي – في محور الاختلاف – انفلات مصير الشخصية، مع احتجابه – في آن – عن إدراك الراوي، وتستلزم بنية كتابة الشخصيات لمصائرها – في محور الاختلاف – أن الشخصيات لن تخرج عن مسار الراوي، وتوقعاته؛ لأنه دائما ما كان يذكر نفسه بالعودة لمخطوطه، ووظيفته، والتي يؤكد النص أيضا أنها كانت شكلية إلى حد كبير.

*هوامش الدراسة /

(1)  راجع، محمد صفوت، الواحدة بتوقيت العاصفة، دار غراب بالقاهرة، 2019، ص 4.

(2) راجع، محمد صفوت، السابق، ص 9.

(3) راجع، ألجريداس غريماس، وجاك فونتانيه، سيميائيات الأهواء، ترجمة: سعيد بنكراد، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2010، ص-ص 286، 287.

(4) محمد صفوت، السابق، ص 68.

*الرابط الأصلي للموضوع - الحوار المتمدن 

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717574 

                                                           د. محمد سمير عبد السلام – مصر

                                                                     ناقد أدبي وفني 

*شكل رقم 1 - رؤية للغيرة والغيرة الشكلية طبقا لمربع غريماس السيميائي 


 *الشكل رقم - رؤية لتعددية وظائف الراوي في السرد طبقا لمربع غريماس السيميائي 



Tuesday, May 4, 2021

د. محمد سمير عبد السلام - التوثيق، والتجدد، والتجانس في بنية الخطاب النقدي قراءة لآليات المقاربة المعلوماتية عند د. محمد نجيب التلاوي

 التوثيق، والتجدد، والتجانس في بنية الخطاب النقدي  قراءة لآليات المقاربة المعلوماتية عند د. محمد نجيب التلاوي 

                                                                                  د. محمد سمير عبد السلام - مصر

*نشر بجريدة عالم الثقافة الإلكترونية - عمان - تاريخ النشر 2 / 5 / 2021 


يؤسس الناقد المصري الدكتور محمد نجيب التلاوي لمقاربة نقدية معلوماتية؛ نظرية، وتطبيقية في دراسته المعنونة ب "تحفة النظارة في عجائب الإمارة، مقاربة معلوماتية"(1)؛ وهي دراسة نقدية إلكترونية قدمها الناقد حول رواية الروائي الأردني د. محمد سناجلة الرقمية التي عنونها ب "تحفة النظارة في عجائب الإمارة، رحلة ابن بطوطة إلى دبي المحروسة"؛ ومن ثم تسعى الدراسة لمواكبة نتاج الرواية الرقمية؛ وشريحة القراء / المتفاعلين المهتمين بالتواصل عبر الوسائط الإلكترونية، وتتبع الروابط، والأيقونات، وملفات الفيديو، ومؤثرات الجرافيك، وغيرها؛ وقد بدت المواكبة النقدية للرواية الرقمية مبدئيا في كونها منشورة عبر موقع الدكتور محمد نجيب التلاوي على الإنترنت؛ ومن ثم فنحن أمام خطاب نقدي تتداخل في بنيته أصداء لحظة الحضور؛ والتي تتعلق بتطور الثورة المعلوماتية حول الكلمات، والأماكن، والكتب، والمذاهب، والألعاب، والكواكب، وعناصر الطبيعة، والآثار، والتواريخ؛ إذ إن لكل موضوع جزئي من المجالات السابقة صفحات معلوماتية شارحة، ومبسطة، وتناسب القارئ الإلكتروني المتعجل في بحثه الدينامي عن سيل من المعلومات المتدفقة التي تتعلق باهتماماته الوقتية المتغيرة؛ ويأتي الخطاب النقدي المعلوماتي – طبقا ل د. محمد نجيب التلاوي – محملا أيضا بتراث الخطاب النقدي المنهجي الذي يذهب لما وراء الوظيفة التوثيقية للعمل؛ فهو يعمق رؤيته المنهجية المقترحة بنتاج النقد الموضوعاتي، والسيميولوجيا، والتحليل البنيوي، وشعرية النوع، ودراسات التلقي؛ وأرى أن هذا التراث النقدي المنهجي لا يمكن فهمه إلا من داخل نوع من التجانس البنيوي الداخلي ضمن المنهجية المقترحة للمقاربة المعلوماتية؛ فالأدوات المنهجية المستعادة من التراث النقدي الأسبق للمقاربة، تتفق مع روحها التوثيقية عبر فعل إكمال، يسعى إلى التجانس الداخلي، والمواكبة لطبيعة العمل الدروس؛ وهو هنا الرواية الرقمية لدى سناجلة؛ فالخطاب النقدي يستعيد التراث المنهجي؛ لينتج لغة وصفية لسيمياء الرواية الرقمية الجديدة لدى سناجلة، والتي تقوم على الروابط، والجرافيك، وحركة الماوس، والإضاءة، والفيديو، وتغير وظائف الراوي، والقارئ المتفاعل المحتمل؛ ويؤسس الخطاب النقدي أيضا لدراسات معلوماتية مستقبلية، تهدف إلى تجديد الخطاب النقدي في توصيفه المعلوماتي للعمل من جهة، والسعي إلى إحداث مواءمة مع بعض المنهجيات النقدية السابقة تعمق الأساس التوثيقي المعلوماتي من جهة أخرى.

يتوجه الخطاب النقدي / المعلوماتي طبقا ل د. محمد نجيب التلاوي – عبر فعل التواصل في بنية الخطاب – إلى متفاعل أو متلق، يبحث عن مقال معلوماتي حول الشيء / الموضوع / العلامة من داخل توثيق نصي دقيق، ووجود روابط تحيله إلى القراءات الموسعة عن الشيء؛ وهو أيضا متفاعل يبحث عن الدلالات النقدية العميقة التي تنبني على التأسيس المعلوماتي، وتتجاوزه في آن؛ ومن ثم يسعى الخطاب النقدي لمواصلة الاستنطاق النقدي المنهجي للعمل عبر تأسيس معلوماتي توثيقي، وعبر وسيط الكمبيوتر، والاتصال بالإنترنت؛ لتعميق الرؤية، والبحث عن قراءات موسعة، أو مشاهدات، والعودة لقراءة الرؤية النقدية مرة أخرى.

وقد لاحظت – في قراءة خطاب النقد المعلوماتي ل د. محمد نجيب التلاوي – التعددية، والتعقيد البنائي في تناول الهويات، والوظائف الفنية، وتوصيفها؛ فالناقد المعلوماتي، كثيرا ما يقوم بدور السيميولوجي في توصيفه للأيقونات، والصور، وعلامات الإضاءة، أو يقوم بدور الناقد الذي يحصي الروابط بنائيا، أو يقوم بتوصيف مؤلف الرواية د. سناجلة كمؤلف، وكمخرج لعرض رحلة الراوي؛ وقد التفت الخطاب النقدي أيضا إلى تعقيد وظائف الراوي؛ فهو مستعاد من التاريخ، ويحمل حضورا خياليا آخر لشخصية ابن بطوطة، ويندمج بلحظة واقعية في إمارة دبي المعاصرة؛ ومن ثم يشير الخطاب النقدي ضمنيا إلى راو ممتزج بحالة ارتحال أدائي / افتراضي؛ فهويته ليست هي هوية الحكاء المشغول بعلاقته بشخصياته عبر مفهوم وجهة النظر؛ وإنما نعاين ذلك الراوي – في الخطاب – كمرتحل أدائي عابر للزمكانية؛ وكثيرا ما يشير الخطاب النقدي إلى توصيف المتفاعل؛ وقد يحمل هذا المتفاعل الذي يتجول – عبر مواقع الإنترنت – بالماوس، بعض السمات القديمة التي كان يشير إليها جيرالد برنس بتعبير المروي عليه الذي يتشكل عبر منطق الحبكة، أو الإشارات المشتركة مع الراوي؛ ومن ثم سنلاحظ أن استخدام الناقد لتعبير متفاعل، يدل على اكتساب مدلول المروي عليه - طبقا لبرنس – دلالات مكملة أو مضافة تتعلق بتعميق وظيفة الأداء في بنية المروي عليه أيضا؛ فالمؤلف يصير مكتسبا لسمات تتعلق بهوية المخرج للفيلم، أو ترابط الصور، والراوي يصير منخرطا في الأداء / الارتحال الافتراضي، والمروي عليه يكتسب حالة من التفاعل الأدائي المواكب لرحلة الراوي؛ فكل من الراوي، والمروي عليه – يحمل نوعا من التواطؤ الإيجابي نحو العالم الافتراضي؛ أما الناقد؛ فهو أيضا يقوم بالتأسيس المعلوماتي، واسترجاع هويته الأسبق كسيميائي، أو بنيوي، أو موضوعاتي.

ويمكننا استنتاج ثلاث جمل خطابيه تقع فيما وراء النص النقدي؛ وهي النقد المعلوماتي يوائم دراسة الرواية الرقمية بدرجة أكبر، والمقاربة المعلوماتية لا تكفي وحدها؛ وإنما تستدعي مداخل نقدية أخرى مكملة، وتلك المناهج النقدية الأخرى لا يمكن فهمها إلا في كونها تتبع بعض العلامات، والاصطلاحات الأولى التمهيدية في مدخل المقاربة المعلوماتية.

وأرى أن بنية التجانس – في خطاب النقد المعلوماتي عند د. محمد نجيب التلاوي – تتجلى من خلال مفهوم الأنافورا في دراسات الخطاب، ودراسات اللسانيات التداولية المعاصرة؛ والذي يتصل بقراءة اللواحق، وتأويلها – في بنية الخطاب – عبر علاقتها بالسوابق، أو الإشارات الأسبق، والتي توحي بتناغم الخطاب؛ والأنافورا في موسوعة راوتليدج للتداوليات تتصل بتناسق بعض البنى المعرفية، والسياقية، والدلالات اللغوية، وقد تأتي طبقا لبعض الجمل البسيطة، أو المعقدة في تصور غريس، أو في مراوحات المحادثة، أو في دراسات الخطاب؛ وفي تحليل الخطاب قد يتصل اللاحق بالسابق بطرق عابرة لحدود الجملة (2).

هكذا تتخذ الأنافورا طرائق ارتباط تأويلية عديدة؛ وتتسع – بصفة خاصة – في علوم تحليل المحادثات، وعلوم تحليل الخطاب.

وقد أشار كين سافير – في كتابه نحو الأنافورا – لكثير من العلاقات التي تتأسس على مبدأ الأنافورا؛ كما يمكننا قراءة المجالات الدينامية للخطاب، وتحولاتها المستقبلية الممكنة طبقا لدينامية مكونات الخطاب في تصور باربارا جونستون في كتابها تحليل الخطاب.

يرى كين سافير – في كتابه نحو الأنافورا – أن المكونات الجزئية للخطاب قد تتعين بوصفها بنى تفسيرية متنوعة، ومختلفة، بخلاف المكونات الجزئية المنفردة التي لا تتصل بعملية التقارب التفسيري؛ ويؤكد أن المكونات الجزئية قد تتضمن علاقات التمثيل، والتأويل، والانعكاس؛ ومن ثم يمكن انتخاب أحدها، أو بعضها، أو التقليل من دور تمثيلات بعينها في تلك الخوارزمية التي تقوم على علاقة التفسير.(3)

يؤكد كين سافير – إذا – الثراء اللغوي المحتمل لعلاقة اللواحق بالسوابق في المحادثات، وفي بنية الخطاب ككل؛ وإمكانية انتخاب علاقات تقارب تفسيري، تقوم على مجموعة من العلاقات الدلالية المحتملة بواسطة محلل الخطاب؛ ومن ثم يمكننا قراءة بنية التجانس في الخطاب النقدي عند د. محمد التلاوي عبر علاقة الأدوات المنهجية التي استخدمها في تعميق البنى الدلالية المكملة للنزوع التوثيقي في مقاربته المعلوماتية عن رواية د. سناجلة؛ إذ يمكن رؤية التطبيقات النقدية الأخرى ضمن علاقاتها اللغوية البنيوية المتضمنة في الخطاب، مدى اتكاء الخطاب على تعبيرات بعينها مختارة ومكررة، أو على قواعد تركيبية أكثر حضورا في المقاربة المعلوماتية، وتواترت – طبقا لمبدأ التجانس – لاحقا في الخطاب النقدي المنهجي.

يشير خطاب د. محمد التلاوي النقدي / اللاحق إلى تجلي صورة الصقر كتيمة فنية، أو كصورة مكررة ملحة في رواية د. سناجلة؛ ويربطها بدال الأمير محمد بن راشد آل مكتوم حاكم مدينة دبي، وبفعل التحليق، أو الحماية، وإبراز الجانب الحضاري لدبي كما ورد في رحلة ابن بطوطة الخيالية في الرواية؛ وقد جاء هذا الجزء الخاص باستعادة النقد الموضوعاتي تاليا لجزء توثيقي سابق أشار فيه الناقد إلى الصقر ضمن موضوع التوثيق المعلوماتي للأيقونات، والأيقونات النصية في عمل د. سناجلة؛ وقد ربط الناقد صورة الصقر بالصفة المفتاح كما هي عند العقاد؛ فالصقر يشير إلى القوة، وحدة البصر.

وإذا تأملنا المقطع اللاحق الخاص بتجلي صورة الصقر كتيمة، أو كصورة ملحة في الرواية سنجد أن النقد الموضوعاتي قد جاء ضمن علاقة لا يمكن فهمها، أو تفسيرها إلا بالعودة إلى التجلي الأول للصقر في التوصيف المعلوماتي للأيقونة؛ ومن ثم يمكننا البدء في تكشف العلاقات التفسيرية للاحق انطلاقا من الأسبق وفق مبدأ الأنافورا؛ فالصورة الأولى للصقر – في بنية الخطاب – قد اتصلت برؤية ترتكز – بدرجة رئيسية – على الكشف عن الأيقونات، والوسائط التي صاحبت السرد الروائي؛ مثل الروابط التشعبية، والجرافيك، والأوتجرفي، والوسائط السمعية، والبصرية الأخرى، أو حضوره كأيقونة مباشرة رئيسية في العمل؛ وسنلاحظ أن علامة الصقر قد اقترنت – في الجزء المعلوماتي الأول – مرة واحدة بتعبير التيمة، ومرة أخرى بتعبير السيميولوجيا بصورة عارضة؛ ولكنه برز كتيمة تصويرية لها دلالات عميقة في الجزء الذي تجلى فيه ضمن خطاب النقد الموضوعاتي / التالي؛ فتكررت كلمة الصقر ثلاث مرات، فضلا عن استخدام صفة الكثرة؛ مع التنوع الدلالي؛ وكأن خطاب د. محمد التلاوي يريد أن يوحي للقارئ أن النقد الموضوعاتي يعمق التوثيق المعلوماتي الأول من داخله؛ فلا يوجد أي نوع من التعارضات المنهجية؛ لأن المقاربة المعلوماتية تتأسس على مبدأ التجانس مع الموضوعاتية، والسيميولوجيا، وبعض أدوات التحليل البنيوي؛ ويمكننا أيضا ربط تيمة المفارقة بين صورتي الصحراء، والتمدن، أو مدلولي الرؤيا، والرؤية في تناول الخطاب النقدي للمفارقة كتيمة فنية، والتوصيف المعلوماتي الأول للمؤثرات الضوئية، وربطها بجماليات المكان؛ وكأن توصيف المؤثرات، سيسهم في إحداث المفارقات بين الخيالي، والحقيقي، والصحراء، والصورة الفائقة المتناغمة للتمدن في دبي المعاصرة؛ ومن ثم تمهد المقاربة المعلوماتية لتحليل فكري أعمق، أو لتشكيل ثيمة فكرية فنية بصورة نقدية تتصل بوسيط الضوء اتصالا بنيويا؛ فتوصيف الضوء يمهد، ويفسر منطق ورود هذه المفارقات كتيمة فنية مختارة في الخطاب النقدي.

وقد جاء التحليل السيميولوجي اللاحق – في خطاب د. محمد نجيب التلاوي – مرتكزا على السيمياء المرئية، والمادة الفيلمية المصاحبة في عمل سناجلة؛ والتي تبرز حضارة دبي المعاصرة كأحد عجائب الدنيا؛ ويتصل هذا الجزء بالجزء الأسبق الخاص بالتوثيق المعلوماتي للعالم الافتراضي في العمل؛ والإيهام في بنية دبي الجمالية، والخيال المتصل بعودة ابن بطوطة؛ وكأن المقاربة المعلوماتية تمهد لدخولنا عالم العلامات، والتحليل السيميولوجي المحتمل للصور الفيلمية التي تؤول ضمن العوالم الافتراضية الأولى التي أشارت إليها المقاربة المعلوماتية؛ والتي تؤكد مبدأ الأنافورا، وتجانس السيميولوجيا مع خطاب النقد المعلوماتي.

ولا يمكن فصل تصنيف د. محمد التلاوي لعمل د. سناجلة بأنه رواية وثائقية رقمية قصيرة إلا بالربط بين شعرية التجنيس بالإسهاب المعلوماتي الأول في توصيف الوسائط، والأيقونات الوفيرة في رواية سناجلة؛ فمثل هذا التوصيف الجزئي يحتاج لدراسات شعرية النوع؛ كي تكمل حل الإشكالية النقدية الخاصة بعبور الرواية لما وراء السردي، أو ما وراء اللغوي.

ولا يمكن الفصل أيضا بين تحليل د. محمد التلاوي لانواع الروابط التشعبية بنيويا – في الرواية – بصورة تفصيلية ترتكز على بنى الروابط التفاعلية، ووصف الرحلة البحرية، والأمير، والإمارة، والإشارات الأولى – في المقاربة المعلوماتية – للوسائط المصاحبة للسرد، وتكرار الإحالة إلى الروابط التشعبية التي تناسب القارئ المتفاعل، وتنقله مباشرة للعالم الافتراضي، وتناسب البنية الأفقية ما بعد الحداثية؛ ومن ثم تفسر المقاربة المعلوماتية حضور تحليل الروابط، واتصالها – في الدراسة - ببنى فنية لاحقة؛ يكشف عنها الخطاب النقدي؛ ليبرز أهميتها؛ ويؤولها بالعودة إلى تجليها كوسيط أساسي – مضاف إلى السرد - في الرواية الرقمية.

ويكشف خطاب النقد المعلوماتي – عند د. محمد نجيب التلاوي – عن دينامية مكونات الخطاب، وإمكانية تحولها، أو تأسيسها لرؤى، وسياقات أخرى محتملة في المستقبل؛ ويمكننا قراءة هذا الملمح تفصيليا من خلال تصور باربارا جونستون – في كتابها تحليل الخطاب – إذ ترى أن كل مجال من مجالات الخطاب يسهم في بناء النص، ويصير مادة للتحديد، ومصدرا للإبداع في آن؛ مثل أصوات المتحدثين في عملية التواصل، وتشكيل العلامات، والتناول المرن للهويات الذاتية؛ وتؤكد باربارا جونستون دينامية تشكل مكونات الخطاب، وتطورها في تشكيل السياق للخطاب، وإسهام الخطاب في إنتاج السياق؛ وتمثل لذلك بالرسوم الفرعونية التي كانت تدرج في منظومة للخلود، وتبلورت حاليا في التشكيل، والديكورات المعاصرة؛ وقد يتشكل الخطاب من خلال أبنية لغوية مختارة، ويسهم في إنتاج أبنية أخرى؛ وترى أن المستقبلين يسهمون في تشكيل الخطاب، ويسهم الخطاب في تشكيل مستقبلين محتملين؛ وأن الخطاب يتشكل وفق تداخل النصوص، والثقافات، والأشكال المتنوعة من الخطابات الأخرى السابقة، بينما يسهم الخطاب في تداخلات خطابية أخرى محتملة؛ كما قد يتشكل من خلال وسائط للميديا، بينما يسهم في إنتاج وسائط أخرى، أو يؤكد بعضها؛ ويتشكل وفق غرض، ويسهم في تشكيل غرض آخر بصورة تحويلية، أو دينامية (4).

وإذا قرأنا خطاب النقد المعلوماتي – في تصور د. محمد نجيب التلاوي – وفق دينامية التشكيل، والتحول للمكونات الست للخطاب كما أشارت إليها باربارا جونستون، سنجد أن خطاب النقد المعلوماتي قد تشكل في سياق التحول الثقافي باتجاه ثورة الميديا، ووفرة المعلومات، والمقالات القصيرة، ووفرة صور العالم الافتراضي، والجرافيك، والألعاب، وظهور ما عرف بالأدب الرقمي، والرواية الرقمية؛ لم يكن النقد المعلوماتي مجرد انعكاس لهذا التحول الثقافي فقط؛ ومن ثم لم يكتف بالمواكبة؛ وإنما أسهم في دمج فعل التحليل النقدي بفعل التوثيق، وأسهم في تشكيل سياق آخر، ينطوي على ظهور الدراسة النقدية إلكترونيا، وإشباعها للباحثين عن التوصيف المعلوماتي، والنقد في آن؛ ومن ثم ينزع إلى التوفيق بين عالمي المكتبة، والفضاء الافتراضي.

............

اقرأ الدراسة كاملة على رابطها على موقع جريدة عالم الثقافة - عمان على الرابط:

https://www.worldofculture2020.com/?p=48022

 

*الصور الملحقة بالدراسة:

 

* صورة - أ.د. محمد نجيب التلاوي


      *صورة - د. محمد سمير عبد السلام 

 

 *الشكل الملحق بالدراسة رقم 1

دينامية مكونات الخطاب في خطاب د. محمد نجيب التلاوي طبقا لتصور باربارا جونستون في تحليل الخطاب:

 


        *الشكل الملحق بالدراسة رقم 2

علاقات الأنافورا في خطاب د. محمد نجيب التلاوي النقدي حول المقاربة المعلوماتية:

 


 

                                                     د. محمد سمير عبد السلام - مصر 

                                                      ناقد ادبي وفني




 

إنتاجية الذات، والآخر .. قراءة لديوان "رجل، وامرأته، كوكب" لعلي الدمشاوي، ونسيمة بوصلاح .. د. محمد سمير عبد السلام

  إنتاجية الذات، والآخر .. قراءة لديوان "رجل، وامرأته، كوكب" لعلي الدمشاوي، ونسيمة بوصلاح                                       ...