د. محمد سمير عبد السلام
صوت الموت الآخر في ديوان أنا شاهد قبرك لفاطمة قنديل
مقاربة موضوعاتية
فصول، مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدد 94 ، صيف 2015 ، شعر الحداثة ومابعد الحداثة.
مقتطف من الدراسة:
تعيد الذات المتكلمة إنتاج دلالات الموت، وصوره، وأخيلته في ديوان أنا شاهد قبرك للشاعرة المصرية المبدعة فاطمة قنديل، وقد صدر عن دار آفاق بالقاهرة سنة 2009؛ فالموت يلتبس بالتحول، والصيرورة، أو بالولادات المتكررة للذات، أو بتجليها كطيف يتجاوز بنية الموت، ويستنزفها؛ وكأنها تستعيد فاعلية الشبح التي تشبه صورة الأب / الملك في مسرحية هملت لشكسبير؛ فثمة صراع نسبي بين الذات، والموت، يبدو فيه الموت كجزء من الصوت الداخلي، وكتحول مضاعف مرح له في آن؛ فثمة عوالم طيفية تجدد الحياة في الوعي المبدع، والأحلام، والأخيلة، والذاكرة، وتجدد الصوت من خلال آثاره الاستعارية التي تتسم بالأصالة المتجاوزة لاكتمال بنية الموت.
الموت في الديوان لا ينفصل عن حضوره الاستعاري؛ إنه يختلط بالصورة، وتحولاتها، وأخيلة الوعي؛ فيبدو أحيانا كشبح، أو كفاعل سلبي نسبي في المشهد، أو في صورة رجل بربري، يذكرنا بنموذج البرابرة في وعي قستنطين كافافي، أو كنموذج لصورة طيف عدائي، أو يقع في مسافة نصية بين الحركة، وصيرورة الغياب، أو بين الضوء، والظلمة.
وقد يتسع الصوت فيحوي صورة الموت في عوالم اللاوعي الفسيحة، وقد يقل حضور الموت مقارنة بالخدر الأنثوي في أحلام اليقظة، وبحث المتكلمة عن الأصالة في نماذج الأمومة، والخصوبة، وكذلك في تأملاتها الجمالية المتعلقة بتحول يقترن ببهجة للغياب المؤول بالحضور الطيفي، وصوره الديناميكية التي تحاول استعادة بكارة الصوت في سياق الغياب نفسه؛ وكأن الموت ينطوي على حياة خفية للصورة، بينما يقبع في العالم الداخلي كفاعل سلبي مؤجل، وغير مكتمل.
ويعيد نص فاطمة قنديل إنتاج دلالات ثقافية تتعلق بالتناسخ، وبعض أفكار نيتشه في العلم المرح، وإيحاءات بالتحول الأسطوري تذكرنا ب مسخ الكائنات لأوفيد، واستعادة نماذج من الذاكرة الجمعية في سياق نصي توليدي تعددي يماثل مدلول لذة النص عند رولان بارت؛ فهو سياق يناهض اكتمال الموت في العالم الداخلي للذات، ويؤوله كتحول مضاعف في بنية الغياب غير المكتملة؛ فالغياب مجال تصويري لا ينفصل عن كل من الذات، والموت كفاعلين مجازيين في المشهد؛ وإن بدا الصوت الداخلي أكثر اتساعا، وأصالة في عوالم الشاعرة الخيالية؛ فهو يبحث عن الصخب، وعن اللعب الطيفي الذي يشبه لعب صورة الضوء على الجدران؛ فالحياة في حلم اليقظة تتجاوز صلابة الموت، وتقترن بالصخب الممزوج بالاختفاء، وتجدد الصورة بوصفها حضورا مرحا آخر.
وتشير المتكلمة من خلال العتبات النصية إلى ثراء دلالات الزمن في اقترانه بالكينونة، وتأويلاتها، أو إلى السؤال المتجدد حول حقيقة الموت الذي بدا كفاعل تمثيلي متغير في النص، دون حسم، ودون أن ينفصل عن صيرورة الصوت نفسه.
وقد اقترن الغياب في النص بأخيلة الماء، والهواء، والتراب في صور تؤكد النشوة، والصخب، وعودة الذات من داخل الأثر الغائب، أو المتحول في تداعيات النص، وتأكيد الأصالة، وامتلاء الغياب بحضور استعاري آخر.
ويكشف التحليل الموضوعاتي للنص عن مدى الاتصال بين الصور، وتداعياتها، ونماذج الوعي الخيالية التي تعزز من التيمة الفنية؛ ومن ثم فالدوال الثقافية التي ارتبطت بصور متكررة في الديوان، تتشكل في علامات النص، وإنتاجيته الجمالية، وعلاقتها بالتيمة؛ فالموت الذي بدا كفاعل سلبي جزئي، ارتبط حضوره بالتناسخ كمدلول ثقافي نصي متعلق بصورة الموت المضاد في الوعي المبدع، أو صوت الموت الآخر كتحول مضاعف في وعي المتكلمة، أو يبدو كصورة أدبية لجني، تستدعيه الذات من الذاكرة الجمعية، ومن حكايات ألف ليلة وليلة، ويتجلى كطرف في حلقة صراع ينطوي على تداخل أصلي بين الوجود، وإيحاءات الغياب المجازية في النص.
ويمكننا قراءة النص انطلاقا من تحليل موضوعاتي يقوم على محورين:
الأول: تحليل الأخيلة، وتجلياتها في صور النص، وعلاماته:
لا تنفصل الأخيلة في النص عن الصور، والعلامات، أو الوحدات المشكلة للتيمة الفنية في تشكلها النسبي، ودلالاتها غير المباشرة المتعلقة بالرؤية الجمالية، والفكرية للوجود، أو الأنا الحالم طبقا لباشلار، وريشار.
د. محمد سمير عبد السلام - مصر
msameerster@gmail.com
.............................................
لقراءة المزيد:
فصول، مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدد 94 ، صيف 2015 ، شعر الحداثة ومابعد الحداثة.
No comments:
Post a Comment