فصول، مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدد 93، ربيع 2015، شعر الحداثة، وما بعد الحداثة
،
د. محمد سمير عبد السلام
صور الذات في تداعيات الكتابة، و إيماءاتها الاستعارية في
ديوان هكذا قلت للهاوية ل رفعت سلام
مقتطف من الدراسة:
كتابة رفعت سلام تعزز من تفكيك المركز، و الانتشار الجمالي للعلامة، واستبدالها المحتملة داخل النص، و تعددية الأصوات المستلهمة من أزمنة عديدة؛ سحيقة، و معاصرة، و إعادة
اكتشاف أنماط السلطة انطلاقا من الثراء الإبداعي للهامشي، أو آليات المحو الخفية
في المركز، و أصواته العديدة، و التأويل الإبداعي للتاريخ في سياق سردي شعري كثيف،
و متعدد الحلقات، و يبدأ من الإنتاجية النصية؛ ليصل وعي المتلقي بالبنى الثقافية و
التاريخية المشابهة، و
.وتفسيراتها المحتملة
و تقوم كتابة رفعت سلام على بلاغة الإيماءة، و الصور الاستعارية التوليدية التي تشتبك مع غرائز
الموت، و الحياة، و مخزون الذاكرة الجمعية، و أطياف النصوص الأدبية، و انبعاثها
المتجدد في النص بصورة لا مركزية، و تعزز أيضا من المحاكاة الساخرة - ما بعد
الحداثية – من أي بنية مكتملة، أو نهاية حاسمة للمدلول، و تتجه إلى اللعب الجمالي
البكر للدوال في تداعيات النص.
و نلمح مثل هذه
التيمات الفنية، و تقنياتها الجمالية في ديوانه (هكذا قلت للهاوية)، و قد صدر ضمن
الجزء الأول من الأعمال الشعرية لرفعت سلام بالهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة
2013.
إنها كتابة يعاين
فيها الوعي نغمات الذاكرة، و أشياء الكون، و العالم؛ و هي في حالة من الصيرورة
الاستعارية السردية المملوءة بالفراغات الجمالية، و تنبت فيها الأشياء في حالة
استثنائية من حالات الصوت المتكلم التي تلي العتبة الاستهلالية للديوان:
"قتلوني".
و هي عتبة تومئ
بتفكيك مركزية الحياة، و تفكيك مركزية الموت في آن واحد، و بين كل منهما يقع الصوت
المتكلم، و يمارس وعيه الحياة الإبداعية في مسافة من التأجيل للنهايات الحاسمة، و
يعاين مرح الكتابة، و ثراء علاماتها التي تتناص مع الأدب، و النصوص الثقافية، و
تعيد إنتاج الرؤى المختلفة للعالم وفق منطقها الجمالي الخاص، و تأويلاتها المنفلتة
من أي قيد تفسيري مسبق.
أما عتبة العنوان
(هكذا قلت للهاوية) فتشير إلى التحول، أو العبور باتجاه بهجة صامتة، تحمل في
بنيتها الموت، و الحياة المجازية؛ الحضور و الغياب معا، و هي موت مؤجل؛ و يتجاوز
الصوت مركزيته في حواره الجمالي معها؛ فهي معبر محتمل لاتساع حلمي، و كوني يتجاوز
الصوت فيه حدوده الذاتية الأولى؛ فيتفاعل مع مدلول الهاوية بوصفها سقطة أحيانا، أو
بوصفها طفرة استعارية للصوت الطيفي، و استبدالاته الممكنة في تداعيات الكتابة.
و يمكننا ملاحظة
خمس تيمات فنية في الديوان؛ وهي: صوت المتكلم بين تداعيات الكتابة، و الصيرورة
الكونية، و الإيماءات الاستعارية و الثقافية في النص، و المحاكاة الساخرة للحضور و
الغياب، و بكارة الاستبدال في النص، و إيحاءات السرد الشعري.
أولا: صوت
المتكلم بين تداعيات الكتابة، و الصيرورة الكونية:
الصوت المتكلم – عند (رفعت سلام) – يجمع – في بنيته المتحولة – بين كونه أثرا جماليا في تداعيات الكتابة، و انتمائه إلى أصالته الأولى في عوالم اللاوعي، و لكن هذه الأصالة تنفلت من حدود الذاكرة و التاريخ، و تمارس لعبة التمثيلات الجمالية، و الكونية في النص.
إن الصوت في
(هكذا قلت للهاوية) يمارس إغواء إبداعيا استعاريا، و يعيد تشكيل آثار الوعي
المبدع، و أطيافه المولدة من الذاكرة الجمعية، و أخيلة النصوص، و التاريخ الحضاري
البشري في نزوعه نحو الامتداد، و الانتشار المجازي في النص؛ و من ثم اتحاده الآخر
بالمتكلم في نوع من التعاطف الجمالي، و الكوني ضمن تداعيات الكتابة اللامركزية.
الصوت
ينقل حضوره الزمني الخاص في أصوات مولدة من حكايات، و تمثيلات قصصية، و تاريخية، و
حضارية متنوعة؛ كي يثري أصالته في تداعيات الأثر، و استبدالاته الممكنة؛ إنه لا
يتخلى عن كينونته لكنه يمنحها انتشارا مضافا، و مكملا .
د. محمد سمير عبد السلام - مصر
msameerster@gmail.com
..............................................................................
لقراءة المزيد
راجع
..
فصول،مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ع 93 ، ربيع 2015
،
No comments:
Post a Comment