د. محمد سمير عبد السلام
تجدد مدلول الهوية في ديوان من بحر العرب إلى بحر الصين ل سيف الرحبي
تحليل ثقافي
فصول، مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، عدد 95 ، خريف 2015 ، شعر الحداثة ومابعد الحداثة.
مقتطف من الدراسة:
من بحر العرب إلى
بحر الصين ديوان للشاعر المبدع
سيف الرحبي؛ وتعزز كتابة الشاعر فيه من التشكيل الاستعاري للفضاء، و تعاطف
العلامات الكونية في النص، واستنزاف حالات العبث؛ والانفصال بين الأنا والآخر،
باتجاه تشكيل هوية ثقافية، وذاتية جديدة، تتصل بتطور العلامات في تداعيات الكتابة؛
ومن ثم تمتزج الصور الإبداعية بمدلول الهوية، واستشراف حضورها الذي يجمع بين الأصالة،
والاتصال بالسياق العالمي من خلال نماذج الاتساع الطيفي للذات في اللاوعي، وحضور
الأنثى، والعودة المرحة للموتى في القصيدة، وسيولة الماء الموازية للسياق الحضاري
المتجاوز لخطاب التعارض بين الأنا، والآخر.
وتؤكد كتابة سيف
الرحبي التجاور ما بعد الحداثي للعوالم الجزئية المتجاوزة للمركز؛ ومن ثم يفكك
تطور العلامات في النص سيادة حالات الانفصال الثقافي، وصورها الصاخبة، ويستبدلها بالثراء
الإبداعي الكامن في مدلول الهوية، وانفتاحه على شكول فاعلة من تراث الغرب، والشرق،
وكذلك بتطورها السردي والمجازي في فضاءات الكتابة اللامركزية، والمؤولة لفضاءات
كونية أخرى متخيلة، يحاول النص من خلالها – تعديل العنصر الثقافي المهيمن، أو
استبداله، وتفكيكه؛ لأجل الإعلاء من الهامشي، وإعادة اكتشاف حضوره المؤثر،
والداخلي في الوعي، واللاوعي.
إن تواتر صور
الطيران، والبهجة المصاحبة للتأملات، والتكوينات الطيفية في الديوان، يوحي بهوية
عالمية تتجاوز هيمنة السياق التاريخي، باتجاه اتصال كوني يعزز من نماذج الخلود، والعشق،
والنزعة الإبداعية العالمية المتجاوزة للبنى الثقافية الأحادية.
ويرى إدوارد سعيد - في سياق حديثه عن التداخل في بنية الهوية
الثقافية لدي فرويد – أن شعور فرويد غير المحسوم بالهوية مثال جيد في قراءة
العلاقة بين الأنا، والآخر، وقد اهتم فرويد بما هو معاصر عبر عمليات تنقيب عما هو
بدائي، وأساسي؛ مثلما اهتم بيتهوفن بتوظيف أنماط قروسطية، وألحان طباقية.(1)
إن سعيد يعزز –
بشكل مباشر – من التكامل بين الهويات الثقافية المتصارعة، ويبحث عن التداخل بين
البدائي، والمعاصر، وكذلك الشرقي، والأوربي في شعور فرويد بالهوية؛ وهو ما يجعله
مثالا للتداخل، والتعدد داخل الواحد؛ فثمة تصالح عالمي كامن في تلك الهويات الثقافية
المتجاوزة للخطاب الأحادي.
وسنجد الإحالات
العديدة في ديوان سيف الرحبي إلى تراث الأصالة العربية، وشفافية الطاو، والوحدة
الكونية، وتأملات الزن، والصورة الإبداعية للأنثى الغربية في فضاء النص المقاوم
للمسافات وعلاقات الانفصال في الخريطة الواقعية، والتحول الراهن باتجاه خطاب
التعارض، والصراع بين الهويات المختلفة.
ثمة هوية قيد
التشكل دائما في الديوان؛ إذ تنفتح على الآخر في تداعيات النص من جهة، وتبحث عن
تحرر كوني طيفي لانهائي، يستنزف الموت، والحتميات، ومركزية الحضور التاريخي نفسه،
وأنساقه السائدة من جهة أخرى؛ فالهوية الذاتية قد اتحدت بالصورة الشعرية، واكتسبت
حضورها المجازي الشفاف المرح في النص.
وابتداء من عتبة
العنوان من بحر العرب إلى بحر الصين، نلاحظ اتصال الهوية بالآخر في الفضاء،
وكذلك التعاطف الكامن في بنية الفضاء نفسه؛ فبحر العرب يتصل ببحر الصين في صورة استعارية
توحي بالتقارب، والتداخل بين الذات، والآخر، كما توحي بتجاور ما بعد حداثي بين
الأفكار، والعوالم الجزئية التي تشبه تكوين الجزر في بحر الصين نفسه؛ فالانحياز
للدائرية إزاء الزمن داخل الذات، يتداخل مع الصور المتعلقة بليونة الطاو، وحالات
العشق المؤكدة للذات، وتجاوزها في السياق الكوني في الوقت نفسه. وتؤكد تقنية السرد
الشعري التحول الإبداعي في مدلول الهوية انطلاقا من مبدأ التعاطف الكامن في بنية
الفضاء في عتبة العنوان.
يوحي تجاور
الفضاءات الاستعارية في النص بأصالة التفاعل العالمي بين العلامات، والعناصر الكونية،
والعالم الداخلي للمتكلم؛ فقد تتحول الفضاءات باتجاه نهايات معلقة، ثم تتحول في
الدلالة – إلى الاتساع، والتحرر، ومقاومة الحدود الصلبة، والصراعات العبثية.
د. محمد سمير عبد السلام - مصر
msameerster@gmail.com
.................................................
.................................................
لقراءة المزيد
فصول، مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب،
عدد 95 ، خريف 2015 ، شعر الحداثة ومابعد الحداثة.
الهامش
(1)
راجع، إدوارد سعيد، فرويد وغير
الأوربيين، مجلة الكرمل عددي 72، 73، صيف، خريف 2002 ترجمة: فاضل جتكر، ص-ص 145،
156.
.